Skip to main content

Tafsir Al-Waseet Surat Al-Fatihah Ayat 3-5 Versi Arab



الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

وقد أتبع - سبحانه - هذا الوصف وهو { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، بوصف آخر هو { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } لحكم سامية من أبرزها: أن وصفه - تعالى - بـ{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي: مالكهم، قد يثير فى النفوس شيئاً من الخوف أو الرهبة، فإن المربي قد يكون خشناً جباراً متعنتاً، وذلك مما يخدش من جميل التربية، وينقص من فضل التعهد.

لذا قرن - سبحانه - كونه مربياً، بكونه الرحمن الرحيم، لينفي بذلك هذا الاحتمال، وليفهم عباده بأن ربوبيته لهم مصدرها عموم رحمته وشمول إحسانه، فهم برحمته يوجدون، وبرحمته يتصرفون ويرزقون، وبرحمته يبعثون ويسألون.

ولا شك أن في هذا الإِفهام تحريضاً لهم على حمده وعبادته بقلوب مطمئنة، ونفوس مبتهجة، ودعوة لهم إلى أن يقيموا حياتهم على الرحمة والإِحسان، لا على الجبروت والطغيان، فالراحمون يرحمهم الرحمن.


مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

بعد أن بين - سبحانه - لعباده موجبات حمده، وأنه الجدير وحده بالحمد، لأنه المربي الرحيم، والمنعم الكريم، أتبع ذلك ببيان أنه - سبحانه - { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }.

والمالك وصف من الملك - بكسر الميم - بمعنى حيازة الشيء مع القدرة على التصرف فيه. واليوم في العرف: ما يكون من طلوع الشمس إلى غروبها، وليس هذا مراداً هنا، وإنما المراد مطلق الزمن وهو يوم القيامة.

والدين: الجزاء والحساب، يقال: دنته بما صنع، أي: جازيته على صنيعه، ومنه قولهم. كما تدين تدان. أي: كما تفعل تجازى، وفي الحديث"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" أي: حاسب نفسه: والمعنى: أنه - تعالى - يتصرف في أمور يوم الدين من حساب وثواب وعقاب، تصرف المالك فيما يملك، كما قال - تعالى -

{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }

وهناك قراءة أخرى للآية وهي { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } من الملك - بضم الميم - وعليها يكون المعنى: أنه - تعالى - هو المدبر لأمور يوم الدين، وأن له على ذلك اليوم هيمنة الملوك وسيطرتهم، فكل شيء في ذلك اليوم يجري بأمره، وكل تصرف فيه ينفذ باسمه، كما قال - تعالى -

{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }

قال الإِمام ابن كثير: " وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإِخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة. وإنما أضيف إلى يوم الدين، لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، كما قال - تعالى -

{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً }

والملك في الحقيقة هو الله، قال - تعالى -

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ }

وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون، أين المتكبرون " ثم قال: وأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال - تعالى -

{ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً }

وفي هذه الأوصاف التي أجريت على الله تعالى، من كونه ربا للعالمين وملكا للأمر كله يوم الجزاء، بعد الدلالة على اختصاص الحمد به فى قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } في كل ذلك دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه للحمد والثناء عليه، بل لا يستحق ذلك على الحقيقة سواه، فإن ترتب الحكم على الوصف مشعر بعليته له ".

والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها خير وسيلة لتربية الإِنسان وغرس الإِيمان العميق في قلبه، لأنه إذا آمن بأن هناك يوما يظهر فيه إحسان المحسن وإساءة المسيء، وأن زمام الحكم في ذلك اليوم لله الواحد القهار، فإنه في هذه الحالة سيقوي عنده خلق المراقبة لخالقه، ويجتهد في السير على الطريق المستقيم.


إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

كانت الآيات الثلاث التي تقدمت هذه الآية تقريراً للحقيقة في جانب الربوبية وعظمتها وعموم سلطانها وسعة رحمتها تقريرا جمع أمور الدنيا والآخرة ثم جاءت هذه الآية لتقرر أن الذي يجدر بنا أن نعبده وأن نسعتين به إنما هو الله الذي تجلت أوصافه، ووضحت عظمته، وثبتت هيمنته على هذا الكون.

ولفظ " إيا " ضمير منفصل، و " الكاف " الملحقة به للخطاب.

والعبارة تفيد أن الطاعة البالغة حد النهاية في الخضوع والخشوع والتعظيم، والعبادة الصحيحة تتأتى للمسلم بتحقق أمرين: إخلاصها لله، وموافقتها لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جرير: " لأن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمى الطريق المذلل الذي وطئته الأقدام وذللته السابلة معبداً ".

والاستعانة: طلب المعونة، من أجل الأقتدار على الشيء والتمكن من فعله.

والمعنى: لك يا ربنا وحدك نخشع ونذل ونستكين، فقد توليتنا برعايتك وغمرتنا برحمتك، فنحن نخصك بطلب الإِعانة على طاعتك وعلى أمورنا كلها، ولا نتوجه بهذا الطلب إلى أحد سواك، فأنت المستحق للعبادة، وأنت القدير على كل شيء، والعليم ببواطن الأمور وظواهرها، لا تخفى عليك طوية، ولا تتوارى عنك نية.

وقدم - سبحانه - المعبود على العبادة فقال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، لإِفادة قصر العبادة عليه، وهو ما يقتضيه التوحيد الخالص.

وقال: { نعبد } بنون الجماعة ولم يقل أعبد، ليدل على أن العبادة أحسن ما تكون فى جماعة المؤمنين، وللإِشعار بأن المؤمنين المخلصين يكونون فى اتحادهم وإخائهم بحيث يقوم كل واحد منهم فى الحديث عن شئونهم الظاهرة وغير الظاهرة مقام جميعهم، فهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم ".

وقدمت العبادة على الاستعانة، لكون الأولى وسيلة إلى الثانية. وتقديم الوسائل سبب في تحصيل المطالب، وليدل على أنهم لا يستقلون بإقامة العبادات، بل إن عون الله هو الذى ييسر لهم أداءها.

ولم يذكر المستعان عليه من الأعمال، ليشمل الطلب كل ما تتجه إليه نفس الإِنسان من الأعمال الصالحة.

وجاءت الآية الكريمة بأسلوب الخطاب على طريقة الالتفات، تلوينا لنظم الكلام من أسلوب إلى أسلوب. وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال: " فإن قلت: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت: هذا يسمى الالتفات في علم البيان.

وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم... وذلك على عادة العرب في افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه. لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإِصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد: وقد تختص مواضعه بفوائد. ومما اختص به هذا الموضع: أنه لما ذكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه تلك الصفات العظام، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بالثناء وغاية للخضوع والاستعانة فى المهمات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل: إياك يا من هذه صفاته نخصك بالعبادة والاستعانة، ولا نعبد غيرك ولا نستعينه... ".

هذا، وقد جاءت فى فضل هذه الآية الكريمة آثار متعددة، ومن ذلك قول بعض العلماء: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فالأول تبرؤ من الشرك، والثانى تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله ".

Comments

Popular posts from this blog

Tafsir Surat Thaha Ayat 81, 82, 83, 84, 85

Tafsir Surat Thaha Ayat 81, 82, 83, 84, 85 Tafsir Surat Thaha Ayat 81 كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (Makanlah di antara rezeki yang baik yang telah kami berikan kepada kalian) yakni nikmat yang telah dilimpahkan kepada kalian (dan janganlah melampaui batas padanya) seumpamanya kalian mengingkari nikmat-nikmat itu(yang menyebabkan kemurkaan-Ku menimpa kalian) bila dibaca Yahilla artinya wajib kemurkaan-Ku menimpa kalian. Dan jika dibaca Yahulla artinya, pasti kemurkaan-Ku menimpa kalian (Dan barang siapa ditimpa oleh kemurkaan-Ku) lafal Yahlil dapat pula dibaca Yahlul (maka sungguh binasalah ia) terjerumuslah ia ke dalam neraka. Tafsir Surat Thaha Ayat 82 وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (Dan sesungguhnya Aku Maha Pengampun bagi orang yang bertobat) dari kemusyrikan (dan beriman)mentauhidkan Allah (dan beramal saleh) yakni mengamalkan far...

Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 111, 112, 113, 114, 115

Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 111, 112, 113, 114, 115 Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 111 وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 111. (Dan mereka, orang-orang Yahudi dan Kristen, mengatakan,   "Sekali-kali tidak akan masuk surga kecuali orang-orang yang beragama Yahudi atau Kristen." ) Ucapan ini dikeluarkan oleh orang-orang Yahudi Madinah dan Kristen Najran tatkala mereka berbantahan di hadapan Nabi saw. Kata Yahudi,   "Hanya orang Yahudilah yang akan masuk ke dalamnya."   Orang Kristen menjawab,   "Surga itu tidak akan dimasuki, kecuali oleh orang Kristen." (Demikianlah itu)   yakni ucapan mereka itu   (hanyalah angan-angan mereka saja)   artinya keinginan kosong belaka. (Katakanlah)   kepada mereka,   (Tunjukkanlah bukti kebenaranmu)   yaitu hujah atas yang demikian itu   (jika kamu orang yang benar)  ...

Tafsir Surat Maryam Ayat 56, 57, 58, 59, 60

Tafsir Surat Maryam Ayat 56, 57, 58, 59, 60 Tafsir Surat Maryam Ayat 56 وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (Dan ceritakanlah kisah Idris di dalam Alquran) Nabi Idris adalah buyut Nabi Ibrahim atau ayah kakek Nabi Nuh(Sesungguhnya ia adalah seorang yang sangat membenarkan dan seorang nabi). Tafsir Surat Maryam Ayat 57 وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (Dan Kami telah mengangkatnya ke martabat yang tinggi) ia masih tetap hidup sampai sekarang bertempat di langit keempat atau keenam, atau ketujuh atau berada di dalam surga. Ia dimasukkan ke dalam surga setelah terlebih dahulu mencicipi rasanya mati lalu dihidupkan kembali, setelah itu ia tidak mau keluar lagi dari dalam surga. Tafsir Surat Maryam Ayat 58 أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا...