Skip to main content

Tafsir Al-Waseet Surat Al-Baqarah Ayat 15-16 Versi Arab



اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

ثم بين - سبحانه - موقفه منهم فقال : ( الله يَسْتَهْزِىءُ ) .

حمل بعض العلماء استهزاء الله بهم على الحقيقة وإن لم يكن من أسمائه المستهزئ ، لأن معناه يحتقرهم على وجه شأنه أن يتعجب منه ، وهذا المعنى غير مستحيل على الله ، فيصح إسناده إليه - تعالى - على وجه الحقيقة .

ويرى جمهور العلماء أن الاستهزاء لا ينفك عن التلبيس كأن يظهر المستهزئ استحسان الشيء وهو في الواقع غير حسن ، أو يقر المستهزأ به على أمر غير صواب ، وهذا المعنى لا يليق بجلال الله ، فيجب حمل الاستهزاء المسند إليه تعالى على معنى يليق بجلاله ، فيحمل على ما يلزم على الاستهزاء من الانتقام والعقوبة والجزاء المقابل لاستهزائهم ، وسمى ذلك استهزاء على سبيل المشاكلة كما في قوله تعالى :

( وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) وهذا دليل على غيرة الله على عباده المؤمنين ، وانتقامه من كل من يستهزئ بهم أو يؤذيهم .

وعبر بالمضارع في قوله ( يَسْتَهْزِىءُ ) للإِيذان بأن احتقاره لهم ، أو مجازاتهم على استهزائهم يتجدد ويقع المرة بعد الأخرى :

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان غضبه عليهم فقال : ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) .

المد : الإمهال والمطاولة والزيادة ، من المد بمعنى الإِمهال ، يقال : مده في غيه - من باب رد - أمهله وطول له ، ويقال : مد الجيش وأمده إذا ألحق به ما يقويه ويكثره ويزيده ، وقيل : أكثر ما يستعمل المد في المكروه ، والإِمداد في المحبوب ، والطغيان : مجاوزة الحد ، ومنه طغا الماء ، أي : ارتفع .

ويعمهون : يعمون عن الرشد ، أو يتحيرون ويترددون بين الإِظهار والإِخفاء ، أو بين البقاء على الكفر وتركه إلى الإِيمان . يقال : عمه - كفرح ومنع - عمها ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه كركع والمعنى : أن الله تعالى يجازي هؤلاء المنافقين على استهزائهم وخداعهم ، ويمكنهم من المعاصي أو يملري لهم ليزدادوا إثماً . حال كونهم يعمون عن الرشد ، فلا يبصرون الحق حقاً ولا الباطل باطلا .


أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ

ثم بين - سبحانه - لونا من ألوان غبائهم وبلادتهم فقال : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) .

الاشتراء : أخذ السلعة بالثمن . والمراد : أنهم استبدلوا ما كره الله من الضلالة بما أحبه من الهدى قال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى .

والمشار إليه ب " أولئك " هم المنافقون : الموصوفون في الآيات السابقة بالكذب والمخادعة ، والإِفساد في الأرض ، ورمي المؤمنين بالسفاهة واستهزائهم بهم .

والسر في الإِشارة والتعبير عنهم بأولئك تمييزهم وتوضيحهم بأكمل صورة وأجلى بيان إذ من المعروف عند علماء البلاغة أن اسم الإِشارة إذا أشير به إلى أشخاص وصفوا بصفات يلاحظ فيه تلك الصفات ، فهو بمنزلة إعادة ذكرها وإحضارها في أذهان المخاطبي . فتكون تلك الصفات ، وهي هنا الكذب والمخادعة وما عطف عليها ، كأنها ذكرت في هذه الآية مرة أخرى ليعرف بها علة الحكم الوارد بعد اسم الإِشارة ، وهو هنا اشتراء الضلالة بالهدى . أي : اختيارها . واستبدالها به .

وعبرت الآية بالاشتراء على سبيل الاستعارة ليتحدد مقدار رغبتهم في الضلالة ، وزهدهم في الهدى ، فإن المشتري في العادة يكون شديد الرغبة فيما يشتري ، رغبة تجعله شديد الزهد فيما يبذله من ثمن . فهم راغبون في الضلالة ، زاهدون في الهدى .

وقوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) لا يقتضي أنهم كانوا على هدى من ربهم فتركوه ، بل يكفي فيه أن يجعل تمكنهم من الهدى لقيام أدلته . بمنزلة الهدى الحاصل بالفعل .

ثم بين سبحانه نتيجة أخذه الضلالة وتركهم الهدى فقال :

( فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ ) أي : أنهم لم يحصلوا من اشترائهم الضلالة بالهدى على الربح ، وإذا كانت التجارة الحقيقة قد يفوت صاحبها الربح ، ولكنه لا يقع في خسارة بأن يبقى له رأس ماله محفوظاً ، فإن التجارة المقصودة من الآية هي استبدال الضلالة بالهدى ، لا يقابل الربح فيها إلا الخسران ، فإذا نفى عنها الربح فذلك يعني أنها تجارة خاسرة .

ثم قال - تعالى - : ( وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ) أي : وما كانوا مهتدين إلى سبيل الرشاد وما تتجه إليه العقول الراجحة من الدين الحق ، وما كانوا مهتدين إلى طرق التجارة الرابحة ، فهم أولا لم يربحوا في تجارتهم بل خسروها ، وهم ثانياً ذهب نور الهدى من حولهم فبقوا في ظلمة الضلال .

وما أوجع أن يجتمع على التاجر خسارته وتورطه ، وما أوجع أن يجتمع عليه أن ينقطع عن غايته ، وأن يكون في ظلمة تعوقه عن التبصر .

Comments

Popular posts from this blog

Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 46, 47, 48, 49, 50

Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 46, 47, 48, 49, 50 Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 46 الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 46. (Orang-orang yang yakin) (bahwa mereka akan menemui Tuhan mereka) ketika berbangkit (dan bahwa mereka akan kembali kepada-Nya), yaitu di akhirat dan bahwa Dia akan membalas segala perbuatan mereka. Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 47 يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 47. (Hai Bani Israel! Ingatlah akan nikmat-Ku yang telah Kuanugerahkan kepadamu), yaitu mensyukurinya dengan jalan menaati-Ku (dan ingatlah pula bahwa Aku telah mengistimewakan kamu) maksudnya nenek moyangmu (atas penduduk dunia) maksudnya penduduk di zaman mereka itu. Tafsir Surat Al-Baqarah Ayat 48 وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ 48. (Dan takutlah olehmu) (suatu hari, ya...

Tafsir Surat Maryam Ayat 91, 92, 93, 94, 95

Tafsir Surat Maryam Ayat 91, 92, 93, 94, 95 Tafsir Surat Maryam Ayat 91 أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (mereka mendakwakan Allah Yang Maha Pemurah mempunyai anak"). Allah berfirman, Tafsir Surat Maryam Ayat 92 وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ("Dan tidak layak bagi Allah Yang Maha Pemurah mempunyai anak") yakni tidak patut bagi-Nya hal yang demikian itu. Tafsir Surat Maryam Ayat 93 إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (Tidak ada) (seorang pun di langit dan di bumi melainkan akan datang kepada Tuhan Yang Maha Pemurah selaku seorang hamba) yang hina dan tunduk patuh kepada-Nya kelak di hari kiamat, termasuk Uzair dan Isa juga. Tafsir Surat Maryam Ayat 94 لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (Sesungguhnya Allah telah menentukan jumlah mereka dan menghitung mereka dengan hitungan yang teliti) maka tidak samar bagi-Nya mengenai jumlah mereka secara keseluruhan atau pun secara rinci dan tiada seorang pun yang terle...

Tafsir Surat Al-Anbiya' Ayat 106, 107, 108, 109, 110

Tafsir Surat Al-Anbiya' Ayat 106, 107, 108, 109, 110 Tafsir Surat Al-Anbiya' Ayat 106 إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (Sesungguhnya apa yang disebutkan di dalam kitab ini) yakni Alquran (benar-benar menjadi bekal) yakni kecukupan untuk masuk surga (bagi kaum yang menyembah Allah) yakni bagi mereka yang mengamalkannya. Tafsir Surat Al-Anbiya' Ayat 107 وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (Dan tiadalah Kami mengutus kamu) hai Muhammad! (melainkan untuk menjadi rahmat) yakni merupakan rahmat(bagi semesta alam) manusia dan jin melalui kerasulanmu. Tafsir Surat Al-Anbiya' Ayat 108 قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (Katakanlah, "Sesungguhnya yang diwahyukan kepadaku adalah bahwasanya Tuhan kalian adalah Tuhan Yang Maha Esa) tiada diwahyukan kepadaku sehubungan dengan perkara Tuhan, melainkan keesaan-Nya (maka hendaklah kalian berserah diri) taat kepada apa yang diwahyukan kepada...